0

يوم العيد

هل لمست يوما جثة ميتة؟ أنا فعلت. كنت في الثانية من عمري وكان ذلك يوم العيد. لا يمكنك أبدا أن تتخيل شعور طفل في الثانية وهو يمسك يد جدته الميتة لتوّها يوم العيد. أزِل يدك من على فمك الذي فغر من فرط الدهشة. وحتى تتجاوز تراجيدية الموقف ويتوقف شعر مرفقيك عن الانتصاب من شدة الهول دعن اخبرك انني لا اتذكر شيئا، لا تنس فقد كنت في الثانية. وكل هذا مجرد حلم ساستيقظ منه صباحا مرفقا بشعور غريب بالامتعاض. لم اكن أعرف من العيد غير مذاق حذائي الجلدي الذي كنت أستله من قدمي الصغيرة وأنهمك في مضغه كلما انشغل الجميع عني بالتهاني و تبادل القبل. وعندما يرونني يبدو على وجوههم الغضب -يختطفون فردة الحذاء من يدي وينهرونني مشيرين بسباباتهم في وجهي. "خخخخخ لا تفعل هذا مجددا". 
كنت سعيدا بموت جدتي، أو بالأحرى سعيداً لأنهم ما عادوا ينتبهون لي وأنا أمضغ حذائي بلذة. انقلبت الأدوار ورحت انا من أراقبهم، النحيب و حالة من الجدبة والهرج. تركوني وحيداً في زاوية الغرفة أراقب الجلبة بأعين ملؤها اللامبالاة. أرى نفسي الأن في تلك الغرفة المترعة برائحة قشور البرتقال. جدتي، يا جدتي ! لماذا كنت تحبين حكّ جلدك بتلك القشور النفّاذة؟ ولماذا كنت تخضّبين شعرك الناصع البياض بالحناء كل ليلة عيد ليصبح لون ضفائرك برتقاليا مائلا الى الحمرة، كقشور البرتقال؟ كحبات الرمان غير الناضجة؟
أرى السقف القديم و أعواد القصب. أرى الضوء الشاحب المنبعث من الباب الموارب، أرى نفسي، أتقدم نحو جدتي، نحو شجرة البرتقال، بقدم حافية و اخرى تنتظر دورها. وحذائي في يدي واللّعاب.... أرى الشجرة تبتسم لي. اليد الدافئة الباردة. جدّتي الحبيبة لماذا يبدو فمك كبيرا؟ لماذا تبتسمين؟ أتريدين مشاركتي المضغ؟
..........
....................
.........................
غدا يوم العيد، لن أتذكر شيئا. لكنني مساءً عندما تتقرح قدماي بفعل الحذاء الجديد، سأرى الضفائر البرتقالية المتوهجة و الابتسامة المنفرجة عن فم نصف مفتوح، ومذاق الجلد.

إرسال تعليق

 
Top