0

فن الترجمة


The Art of Translation

Richard Pevear and Larissa Volokhonsky
Interviewed by Susannah Hunnewell
The Paris Review No.213



فن الترجمة
ريتشارد بيفر ولاريسا فولوكونسكي
أجرى المقابلة: سوزانا هنويل
The Paris Review





The Art of Translation

Richard Pevear and Larissa Volokhonsky
Interviewed by Susannah Hunnewell
The Paris Review No.213



فن الترجمة
ريتشارد بيفر ولاريسا فولوكونسكي
أجرى المقابلة: سوزانا هنويل
The Paris Review


" الترجمة لا تقوم على قاعدة معينة ، ولا تُؤَدى بواسطة آلة. 
المعيار الوحيد الذي لك أن تحكم به على عملك كمترجم هو الإحساس:
كيف تشعر اتجاه النص؟
هل ما نقلته بكلماتك هو النص الحرفي للكاتب ، أم الحياة التي خلقها الكاتب بكلماته؟
ريتشارد بيفر

*****

الشاعر الأمريكي ريتشارد بيفر وزوجته الروسية لاريسا فولوكونسكي نالا شهرة عالمية لعملهما في الترجمة ، إذ يعزو إليهما النقاد الفضل في إشعال ثورةٍ روسيةٍ ناعمة في عالم الأدب لما لهما من  الفضل الكبير في إعادة إحياء الأدب الروسي في الدول الناطقة باللغة الانجليزية لما تميزت به ترجمتهما من ملامسة ثقافية أقرب وروح روائية وأدبية أعمق للنص الأصلي.

وعليه فقد انضم المترجمان رسمياً إلى النادي الحصري حيث عظماء المترجمين الذين أزاحوا بترجمتهم الجديدة لنصوص الأدب العالمي الترجمات السابقة التي قرأها الناس لعدة أجيال.
وهو من أكثر ما يصعب تحقيقه في عالم النشر.



ڤولوكونسكي الروسية وبيڤر الأمريكي هما زوجان منذ ثلاثٍ وثلاثين عاماً ، وقد ترجما سويةً خلال تلك الرحلة الزوجية المديدة نحو ثلاثين نصًّا من نصوص الأدب الروسي العالمي منها: الأخوة كارامازوف ، الجريمة والعقاب ، الشياطين ، الأبله ، مذكرات من  القبو ، الحرب والسلام ، آنا كرنينا ، حجّي مراد ، موت إيڤان إليتش ، المعلم ومارغريتا ، دكتور زيڤاغو ، الأرواح الميتة لجوجول ، وقصص قصيرة لتشيكوف. 

ملخصنا لهذا الأسبوع  هو ترجمة لمقاطع مختارة من لقائهما مع المجلة الأدبية :
The Paris Review
والذي  يتناول تجربتهما الفريدة في عالم الترجمة وخصوصية تجربتهما كونهما زوجين ينتميان إلى
لغتين وثقافتين مختلفتين



- -1-

قبل نشر رواية الأخوة كارامازوف بترجمتهما عام 1990، وهو العمل الأدبي الأول لهما، بنى القارئ الانجليزي علاقته مع ديستوڤسكي من خلال قلم المترجمة البريطانية كونستانس غارنت.
ورغم أن ترجمتها بقيت هي الترجمة الانجليزية المعتمدة لسنوات عديدة ، إلا أنّ النقاد والأدباء الروس لطالما انتقدوا وبشدة ترجمتها للأدب الروسي.

فقد رأى الشاعر جوزيف برودسكي " أنّ السبب وراء اعتقاد القارئ الانجليزي أنّ لا فرقَ هناك بين روايات تولستوي وديستوڤسكي أَنَّه في الحقيقة لم يقرأ أيّاً منهما."

أمّا كورني تشوكوڤسكي فقد اختزل حقيقة الوضع بكل اختصارٍ وقسوة حين قال :
" مَن منّا لا يشعر بتلك التشنُّجات، بتلك الهزَّات العصبية حين يقرأ لديستوفسكي ؟
لكن مع كونستانس فقد تحوّل النص على يديها إلى نصٍّ بليدٍ آمن : من بركانٍ ثائر إلى مرعىً في الريف الانجليزي.
وحتى أوضِّح أكثر ما أود قوله: هي شوّهت النص بأكمله."


أمّا غارنت فمن وجهة نظرها " أنَّ ديتسوفسكي، عدا كونه كاتباً مهملاً ، فهو غامضٌ جداً مما اضطرني إلى العمل كثيراً على تحسين أسلوبه وتوضيح نصّه."



 -2-

نالت ترجمة بيڤر وڤولكونسكي الكثير من الإطراء والمديح على إعادتهما الروح الأصلية للنصوص الروسية وخصائصها الأدبية: الجمل الطويلة لتولستوي التي تمتد الواحدة منها على مدار صفحة كاملة ، النشاز الصادر عن تناحر الأصوات المتعددة في سرد ديستوفسكي .

وبالرغم من إجماع النقاد والباحثون الروس على مديح الترجمة الجديدة ، فإن هناك من النقاد ( خصوصاً أصحاب المدونات على الانترنت ) من وجّه سهام النقد اللاذع لترجمتهما لاعتمادها أكثر الترجمة الحرفية للنص والأسلوب الأدبي.

بيڤر وخلال مداخلاته العديدة في تلك المدونات لم يعتذر مرّةً واحدة عن التزامه كمترجم جانب إحياء النص الأصلي للكاتب ، وإن لم يكن اعتيادياً ، على حساب تحويل النص وتعليبه إلى ما يستسيغه القارئ الانجليزي.



-3-

سوزانا: كيف وصلتما إلى قرار ترجمة رواية الأخوة كارامازوف؟

بيڤر 
بعد زواجي من لاريسا انتابتني الرغبة لقراءة الأخوة كارامازوف مرّةً أخرى بترجمة ديڤيد ماغارشاك بعد قراءتي لها مسبقاً بترجمة غارنت أثناء دراستي الجامعية.

وحين بدأتُ بقراءتها شعرت لاريسّا بالفضول وقررت أن تشاركني قراءتها على طريقتها الخاصة. أنا أقرأ نسختي باللغة الانجليزية وهي تقرأ نسختها باللغة الروسية.

ڤولوكونسكي 
كنتُ أملك نسختي الروسية من الرواية ولطالما أسرني ديستوڤسكي بأسلوبه وصوته. وعادةً حين تقرأ روايةً بلغتك الأم - ولم تكن تقرأ بهدف الدراسة أو النقد - فإنك تقرأ دون التفاتٍ للتفاصيل. فما يهمك حقيقةً هو الحبكة، الصراع بين الشخصيات وأملك أن لا يقتل أحدها الآخر.

لكن حين أخذت أقرأها للمرة الثانية ركزت انتباهي أكثر على التفاصيل. ومع قراءتي صادفتُ جملةً أعجبتني فتساءلت كيف يا ترى ترجمها ماغارشاك إلى الانجليزية. تناولت نسخة زوجي وبحثتُ عنها ويا للعجب: الجملة لم تكن هناك !

جملٌ عديدة أسرتني بغرابتها وحس الفكاهة فيها لم أجدها هناك: أيّاً منها !!

ما قرأته في النسخة الانجليزية كان نصّاً أليفاً أخضعه المترجم بعد أن جرّده من الأسلوب والصوت والفكاهة، وأبقى النص بلا روح. ما فعله المترجم هو مشاركة المعلومة مع القارئ ، لكن أين هو صوت ديستوڤسكي ؟ أين هي روحه ؟ لم أجدها في أي مكان .

حينها توجهتُ إلى زوجي وقلت له:
عزيزي
نحن نقرأُ كتابين مختلفين تماماً !


-4-

بيڤر
بعد أن تناقشنا أنا وزوجتي في الاختلاف الشاسع بين النسختين ، اكتشفنا أنَّ هناك جانباً من ديستوڤسكي أهمل المترجمون إيصاله للقارئ، وشعرنا بضرورة أن نصحّح الوضع نحن الاثنين. 

ڤولوكونسكي 
كُنَّا في وضعٍ لا أحد فينا يملك اسماً في عالم الترجمة . زوجي كانت له سمعته ككاتب مقال وشاعر. فقررنا أن نترجم أربع فقراتٍ من الأخوة كارامازوف ، كل فقرةٍ منها تتمتع بأسلوبها وصوتها وحوارها الخاص. بعدها بعثنا بتلك الفقرات كنموذج إلى خمسة من كبار الباحثين المتخصصين في أعمال ديستوڤسكي ونلنا ردوداً إيجابيةً جداً منهم جميعاً دون استثناء.

بيڤر
بعدها تشجعنا على إعداد نسخ من النموذج وإرساله إلى أكبر دور النشر ، ونلنا الرفض القاطع منها جميعاً دون استثناء. والسبب أنّ دور النشر لم تجد أي سببٍ مقنع لإصدار ترجمةٍ جديدة للرواية.

ڤولوكونسكي 
لكن وأخيراً جاءنا ردٌّ بالقبول من دار نشرٍ صغيرة كانت مستعدة للاستثمار في عملنا. عرضت علينا ألف دولار كدفعة مقدمة، لكنّ ألفاً لا تكفي، فرفضنا. ثم عاودوا الاتصال بنا وعرضوا ستة آلاف. قبلناها وبدأنا العمل ، وخيراً فعلنا أننا طلبنا مبلغاً أكبر فقد استلزم الأمر منّا أعوام حتى ننهي ترجمة الأخوة كارامازوف. 



-5- 

سوزانا: ما الخطة التي اتبعتماها في العمل سويةً على الترجمة ؟

ڤولوكونسكي 
المسودة الأولى أتولى أنا كتابتها بقلم الرصاص. أبذل أقصى جهدي أن تكون ترجمتي أقرب ما تكون إلى النص الأصلي. أحياناً تنساب الترجمة مني بسهولة على الصفحات  وأحياناً أخرى تصادفني العقبات.

وإلى جانب ترجمتي للنص أستغل هوامش الصفحة في الإشارة إلى كل ملاحظة لدي عن النص. فعلى سبيل المثال:

أوضح أن الجملة هذه قد ألفها الكاتب معتمداً على السجع في مفرداتها فالموسيقى فيها إذاً مهمة ، أن المقولة تلك هي كليشيه وتعد من الأقوال التافهة في الثقافة الروسية ، أما المقولة الأخرى فهي كليشيه لكنها تعد من الحِكَم في الثقافة الروسية. 
كذلك أشير إلى وجود اقتباسٍ مباشر أو غير مباشر لأقوالٍ وآياتٍ وقصصٍ من الإنجيل. ومع ديستوڤسكي بالذات من الضروري توضيح الخلفية الدينية لكثيرٍ من الحوارات التي ترد على لسان شخصياته. ليس الإنجيل فحسب ، بل هناك الكثير من الإشارات الخفية بين السطور إلى أحداثٍ في تاريخ روسيا أو اختيارٍ محدد ومقصود لمفردات تعود إلى بيت شعرٍ من قصائد بوشكن أو أغنيةٍ شعبية من الفولكلور الروسي.

وإضافةً إلى معرفتي الشخصية بخبايا النص كوني روسية ، أعتمد كذلك على النسخة الروسية للنصوص التي أعمل عليها والتي غالباً ما تتضمن ملاحظات ومرجعيات تاريخية للأحداث المحيطة بالنص. 



- 6-

بيڤر
بعد انتهاء لاريسا من ترجمة الكتاب ، أستلم منها المسودة الضخمة من الأوراق المكتوبة بالرصاص ثم أبدأ بقراءتها. وبينما أقرأها لا أعتمد قراءة النص بقدر ما أعتمد الاستماع للنص.

سوزانا: هل يعود ذلك لكونك شاعراً؟

نعم. فالترجمة لي هي أقرب إلى كتابة الشعر منها إلى كتابة السرد. فالروائي قد قام بمعظم الأعمال الشاقة في كتابته للنص الأصلي. فهو بنى البيت ثم قام بتأثيثه وفتح أبوابه ليستقبل ساكنيه من الشخصيات ومنح كل شخصيةٍ ملامحها ولون عينيها وطول شعرها. الروائي يخلق العالم ويعمره بالناس . أما المترجم فكل ما عليه أن يفعل هو أن يستمتع بالعالم الذي خلقه الروائي ويعيد صياغته شعراً. تركيزه كله هو على جماليّة النص ولا شيء آخر يقلقه.

ڤولوكونسكي 
نعم هو كذلك بالنسبة لريتشارد فهو يملك حس الكاتب وأسلوبه الأدبي. أما ترجمتي فهي ترجمة قارئ متنبّه للتفاصيل. لهذا أتعمّد أن يخلو النص الذي أسلمه إياه من أي لمسةٍ أدبية لي. فأنا أريد ترك كل الاحتمالات متاحةً أمامه. مهمتي الحقيقية هي أن أنقل النص له كاملاً دون نقصان وضمن إطاره التاريخي والمرجعي الصحيح.

بيڤر
لعلمك كان بإمكانها أن تنهي الأمر بأكمله بنفسها لكنها أرادت أن تترك لي شيئاً مفيداً لأفعله .

ڤولوكونسكي 
لا بتاتاً . فأنا لا طموحَ لدي لأكون كاتبة ، جربتها مرة ووجدتها عملية صعبة تجر معها ألماً عميقاً  بشكل بطيء ومن المستحيل أن أعاود تلك التجربة مرة أخرى.

بيڤر
 لكن كل الكُتّاب يمرون بتلك الصعوبة.

ڤولوكونسكي 
أدري . لكن فقط الكاتب الحقيقي من لا يمانع العيش في ذاك العذاب مرة أخرى ، لهذا أقول لك أنا لست بكاتبة.

- 7-
.
سوزانا: وما الذي يحصل تالياً؟

ڤولوكونسكي
بعد أن ينهي ريتشارد ترجمته أقرأ النص الذي كتبه مقابل الترجمة الانجليزية الأصلية. بعدها نجلس سويةً ونطرح على بَعضِنا الأسئلة ونبحث سويةً عن إجابةٍ لها في المراجع والمصادر والقواميس.

بيڤر
أحياناً كثيرة نمضي ساعةً كاملة على كلمةٍ واحدة فقط. وبعد أن نجد الأجوبة التي كنا نبحث عنها ، أعمل على كتابة المسودة الثانية. وما أفعله حقيقةً هو قلب صفحات المسودة الأولى التي كتبتُها وأكتب عليها المسودة الثانية. هذه هي مساهمتنا في إعادة التدوير والحفاظ على البيئة. 


ڤولوكونسكي 
بعد أن ينهي ريتشارد المسودة الثانية يقرأها لي بينما أتتبع أنا النص الروسي. وخلال هذه القراءة نجري عدة تعديلات ليست بالكثيرة ، ثم يتولى ريتشارد كتابة المسودة الثالثة بعد إضافة التعديلات ، وهذه هي النسخة النهائية التي نرسلها لدار النشر.    



-8-

سوزانا : ارتبطت شهرتكما العالمية بترجمتكما لرواية آنا كارنينا ، إلا أن تجربتكما معها لم تكن الأسهل على الإطلاق.

بيڤر
لم تكن سهلة على الإطلاق مع دار النشر البريطانية التي تعاونّا معها ، إذ أنّ " القارئ " فيها لم يستسغ ترجمتنا لها. فهو أراد تولستوي سلساً لا معقداً كالذي قرأه في نسختنا.
 وأنا أجبت طلبه بأن الترجمة السلسة إنما تهوي بالنص بسلاسة إلى عالم النسيان. 

ڤولوكونسكي 
في الواقع الجميع هناك كره ترجمتنا.

بيڤر
كنا نستلم من المحرر نقداً مفصلاً على كل جملة وكل عبارة. وبعد أن وجدنا استحالة إرضاء المحرر و "القارئ " أبلغنا دار النشر أن من المستحيل المتابعة على هذا المنوال وإلا سيلزم منا الأمر ثلاثين عاماً. بعدها استسلمت دار النشر للأمر وتركت لنا حرية الترجمة بل ومنحتنا كامل حقوق الملكية الفكرية للنسخة الورقية من الكتاب دليلاً على عدم ثقتها بنجاح عملنا أو بوجود أي احتمالية ولو ضئيلة بتحقيق ترجمتنا أي أرباح.

سوزانا: والنتيجة؟

ڤولوكونسكي 
حصلنا على جائزة PEN العالمية للترجمة.

سوزانا: كذلك سطع نجمكما في عالم الأدب بعد أربع سنوات حين اختارت أوبرا وينفري ترجمتكما لآنا كرنينا ليكون كتاب الشهر في نادي أوبرا للكتاب.

ڤولوكونسكي 
آه وهذا أيضاً!

بيڤر
يومها اتصلت بنا وكيلتنا الأدبية في نيويورك، وقبل أن تنقل لنا الخبر سألتني إن كنا نعرف شخصية تدعى أوبرا وينفري، فأجبتها مازحاً: أظنها مغنية كونتري أليس كذلك؟

ڤولوكونسكي 
هي سألت لأننا غادرنا نيويورك نهاية الثمانينات واستقرينا في باريس، ومنذ ذاك التاريخ نحن لا نملك تلفازاً، فلا وقت لدينا.

بيڤر
حين تأكدت أننا نعرف عمن تتكلم ، أخبرتنا أن بعد إذاعة الحلقة تم شحن تسعمئة ألف نسخة من آنا كرنينا للمكتبات وبيعت كلها !

ڤولوكونسكي 
لم أصدق ما سمعته: تسعمئة ألف نسخة من آنا كرنينا، من كان يصدق!

لا بد أن ذلك حسّن كثيراً من وضعكما الماليّ فأنتما تملكان كامل حقوق الملكية.

ڤولوكونسكي 
لقد علمتني أمي أن لا أناقش أموري المالية مع أحد.

بيڤر
وكذلك أمي.

9

سوزانا: ننتقل الآن إلى السؤال الأهم: من المفضّل لديكما ديستوڤسكي أم تولستوي؟

بيڤر
اكتشفت أثناء عملي مع لاريسا أن ديستوڤسكي لم يكن كاتباً كئيباً ومهووساً كما تعرفنا عليه كقرّاء باللغة الانجليزية. بل كان شخصيةً مرحة يكتب بروحٍ متحررة عن كل القيود وهذا ما انعكس على أسلوبه المتنوع في السرد على صفحات الرواية الواحدة. فهو لا يمانع منح شخصيّاته أصواتاً مختلفة تتناسب مع خلفية ونفسية كل منها. حتى الراوي لا يحرمه ديستوڤسكي من ارتكاب الأخطاء اللغوية ويتركه يسرد كما لو كان رجلاً بسيطاً في بلدةٍ روسية ريفية كما هو الحال مع الأخوة كارامازوف . فالأمر الذي يغيب أحياناً عن القارئ والناقد سويةً أن الرّاوي هو ليس بالكاتب. هما كيانان منفصلان. ولأنّ هناك من رأى أن الراوي هو ديستوڤسكي فقد جاء الحكم عليه بالإهمال والضعف في الأسلوب الأدبي وافتقاره إلى معرفة أصول الكتابة.

سوزانا: لقد ترجمتما أربع روايات لديستوفسكي الواحدة تلو الأخرى بداية بكارامازوف ثم الجريمة والعقاب ، مذكرات من القبو ، والشياطين. كيف تأثرت حياتكما بمعايشة تلك الأرواح المعذبة على مدار أعوام؟

ڤولوكونسكي 
لم أتأثر بتاتاً. نحن مهنيّون.

بيڤر
كيف تقولين ذلك، بالتأكيد أثرت بي كثيراً.

ڤولوكونسكي 
لم ألاحظ التأثر عليك.

بيڤر
كيف لا ، ألم تلاحظي كيف كانت يدي ترتعش أحيانا أثناء العمل على النصوص؟

ڤولوكونسكي 
ربما لم ألاحظ، فقد كنت أربّي طفلَيْك وأعتني بوالدتي بعد أن فقدت بصرها . اعذرني فقد كنت متأثرةً أكثر بالواقع الذي أعيشه معك!
.
- 10-

سوزانا: ماذا عنكِ ، من هو المفضل لديك؟ ديستوڤسكي أم تولستوي؟

ڤولوكونسكي 
في شبابي دائماً ما كنت أفضِّل ديستوڤسكي إذ لطالما أسرتني شخصياته. لكن الآن تغير موقفي تماماً. فقد توقفت عن المقارنة لأنّ لا معنى لها. فهما كاتبان مختلفان تماماً. أنا أكنُّ إعجاباً عظيماً لتولستوي ككاتب، فحين أعمل على نصٍّ يعود له، أشعر أَنِّي في أيدٍ أمينة.

بيڤر
العالم الذي يبنيه تولستوي هو عالمٌ متينٌ ومتماسك.

ڤولوكونسكي 
هناك الموت، هناك المعاناة، لكن أيضاً هناك الاستقرار. تشعر وكأنك تنتمي إلى عالمه. 
فحين تقرأ لتولستوي تنتقل كليةً إلى القرن التاسع عشر ورغم ذلك تشعر بأنك تنتمي تماما إلى عالمه. فالشخصيات في رواياته بمشاكلها وأسلوب حياتها وصراعها وعلاقاتها هي مماثلة لشخصياتنا وشخصيات جيراننا وأصدقائنا وعائلاتنا.

أيضاً ما يميز تولستوي هو أنه ضليعٌ باللغة وقواعدها. هو يملك أن يكتب جملةً واحدة على مدار صفحة كاملة دون خطإٍ واحد. وهو يمنح كل شخصية من شخصياته سمة جسدية مميزة ولا يمانع تخصيص حيزٍ كبير من سرده للوصف.

بيڤر
بالنسبة لي الفرق بين ديستوڤسكي وتولستوي أن الراوي في أعمال ديستوڤسكي هي شخصية من شخصيات الرواية. أما في أعمال تولستوي فالراوي هو تولستوي. تلك هي عاطفته الحقيقية تجاه شخصياته. هو يحتضن كلاًّ منها حتى الشريرة منها في مخيلته ويبعث فيها الحياة.

ڤولوكونسكي 
لهذا حين تقرأ لتولستوي تشعر بتلك الشخصيات تقفز من صفحات الكتاب وتسكنك.


-11-

سوزانا: آخر سؤال أوجهه لكما: ما هو الرضا الأدبي الذي تنالانه من الترجمة؟

ڤولوكونسكي 
أنا أعشق الكلمات. أعشق قواميسي. وأعشق تماماً ما أفعل. فهناك إحساسٌ لدي بأني وُلدتُ لأداء هذه المُهمّة. أنا أقدّس فكرة أننا أضفنا إلى العالم بعملنا ما لم يكن موجوداً من قبل. خصوصاً مع ديستوفسكي ، أنا سعيدةٌ جداً بما حققناه ، لأنه كان التصرف الصحيح الذي كان لا بد لأحدٍ أن يقوم به، وقمنا نحن به. وسيبقى هذا الإحساس ملازماً لنا حتى النهاية بغض النظر عمّا يقوله الآخرون عن ترجمتنا. 


بيڤر 
لي أن أجيبك على السؤال بهذه العبارة التي أعيد صياغتها لقائلها المترجم غريغوري ريباسا في لقاءٍ أجراه في السبعينات.

المترجمون هم الوحيدون الذين يتسنى لهم أن يقضوا حياتهم على الحدود بين اللغات: كقرّاءٍ وكُتَّاب . كمترجم فأنت تقضي حياتك تتنقّل بين الدورين جيئةً وذهاباً ، جيئةً وذهاباً ولا تتوقف أبداً. لا أحدَ آخر له أن يعيش تلك الحالة ، في تلك المنطقة الرمادية ما بين الكتب.
عدا المترجم

لا أحد!


*****
وبهذه العبارة الجميلة نختم ملخصنا لهذا الأسبوع مع  فن الترجمة ، تلك التجربة الأدبية التي لولاها لما قرأ شعب لشعب آخر ولما توحدنا قراءً من كل الشعوب ينبض قلبنا على ذات الصفحة.

فكل المحبة لكل المترجمين من كل اللغات.

إرسال تعليق

 
Top