الحذف
اختيار ما يمكن الاستغناء عنه
بقلم: جون ماكفي
مجلة نيويوركر في عددها الصادر ١٤ أيلول
٢٠١٥
![]() |
Omission
Choosing
what to leave out
By:John McPhee
New
Yorker
Sept.
14th 2015
الكتابة في أساسها هي عملية انتقاء. بمجرد أن تمسك بقلمك فأنت تبدأ بانتقاء
كلمةٍ واحدة ، واحدة فقط ، من بين ملايين الكلمات .
الخطوة التالية؟
هي انتقاء كلمة ثانية من بين ملايين
الكلمات. الكلمات
تتحول إلى جملة ، الجمل إلى فقرات ، الفقرات إلى صفحة والصفحات إلى فصول. ففي واقع الأمر ، ككاتب ، أنت من يُفْترض
به أن يقرر ما الذي ينتمي للنص وما الذي يبقى خارجه. القاعدة الوحيدة التي تعتمد عليها في
عملية انتقائك هي التالي:
ما يثير اهتمامك يبقى ، ما لا يثير
اهتمامك يُحذف.
هي قاعدة فجّة تفتقر للذوق في تقييمك للنص
لكنها كل ما تملك ككاتب .
لهذا حين تختار موضوعاً للكتابة لا تختبر
مسبقاً مدى نجاحه في سوق النشر. فليكن
المعيار الوحيد لاختيارك الموضوع هو مدى إثارته لاهتمامك. فاهتمامك هو الدافع الوحيد الذي سيدفع بك
لمواصلة الكتابة حين تصطدم بالعقبات وتعيد كتابة البدايات وتصارع هزّات التردد
والشك إلى أن يصل بك اهتمامك أخيراً إلى خط النهاية مع كتابة الكلمة الأخيرة.
*****
عصّارة
البرتقال
لو كُنَّا نعيشُ في عالمٍ مثالي ، فإنّ
مدى النص الذي تكتبه يمتد حتى يستنفذ موضوعك كل ما يحتاج إليه من مادة. وحَدَثَ أكثر من مرة أن بدأت مشروع كتابة
مقال لا يتجاوز الألف كلمة، وبعد البحث فيه وجدتُ نفسي أبحث في تفرعاتٍ عديدة له
أغرتني للبحث أكثر وأكثر حتى تحول مشروع المقال من ألف كلمة إلى كتاب من خمسٍ
وخمسين ألف كلمة.
هذا ما حدث تماماً معي حين أوكل إلي المحرر مهمة كتابة مقال قصير عن
عصارة البرتقال!
قصتي مع البرتقال بدأت بفكرة كتابة مقال
عن عصارة برتقال جديدة يتم تسويقها في فلوريدا. ولأنها في فلوريدا قمت بزيارة سريعة إلى
جامعة فلوريدا التي تضم قسم لدراسة الحمضيات لأحصل على تعليقٍ أكاديمي. القسم الذي توقعته مكتباً اتضح لي أنه
عبارة عن خمس مبانٍ، وأن عشرات الأساتذة نالوا درجة الدكتوراة على رسائل بحث في
البرتقال. ويتبع القسم مكتبة عامة مخصصة فقط
للحمضيات تضم ما يزيد عن مئة ألف كتاب، عشرات الآلاف منها فقط عن البرتقال تتنوع
المواضيع فيه عن تاريخ البرتقال وأنواعه وكل الدراسات القائمة عليه.
مبهوراً بعظمة شأن البرتقال وجدتُ نفسي
مشدوداً نحو كتابة عملٍ كبير يوازي عظمته، فمقال من ألف كلمة بالتأكيد لن يفِ
البرتقالَ حقّه.
زيارتي إلى فلوريدا التي كان من المفترض
ان تأخذ أيام امتدت لشهور كرست قلمي فيها فقط للبرتقال. وبعد أن شعرت أن الموضوع أخذ حقه من الكتابة أرسلت النص للمحرر في مجلة
نيويوركر لطبعها ونشرها على سلسلة حلقات. حين
عدت إلى بيتي فوجئت بوجود ظرفٍ نحيف، وحين
فتحته أدركت أن المجلة قد أرسلت لي المسودة بعد التنقيح الذي حذف ٨٥٪ من النص الذي
كتبته.
شعرتُ حينها أني تسببتُ
بخيبةِ أملٍ كبيرة للبرتقال وعلماء البرتقال وزارعي البرتقال وحاصدي البرتقال
ومصانع البرتقال وجامعة البرتقال وبذور البرتقال والنحل الذي يلقح البرتقال وأجداد
البرتقال وعائلته الممتدة في عالم الحمضيات. فقد كتبتُ عنهم جميعاً في
مقالٍ واحد، لكنّ قلم المحرر حذفهم جميعاً ولم يُبقِ إلا على عصارة البرتقال !!
إرسال تعليق