0
الوهم


         بحث عنها طويلا حتى فقدت الأمل في إيجادها،رحلت دون وداع،لقد جرحتها جرح العاشق الذي لا يندمل،أنا إنسان سيء،أحبتني بصدق،فكنت قاسيا،قيدتها بقيد الغيرة المتين،وجلدتها بأوامر ونواهي كملك عظيم يخاطب عبده الضعيف المسكين.
رحلت وتركتني وحدي أجلد نفسي وأحقرها،وأعاتبها بشدة،عاهدت نفسي إن وجدتها سأقبل رأسها ورجليها،وأهديها قلبي فأرى ما هي فاعلة به،قد تقتله،لن ألومها،لأنها ستكون قد حكمت بعدل.
حملت آلة الكمان التي لطالما عزفت لي مقطوعات العشق والحب العذري الصادق،ثم قصدت وادي الوهم لأجلس كعادتي عند شجرة التين البري العملاقة، اتأمل وجه حبيبتي وهي تسبح في حزن وشقاء بين النجوم والكواكب تبحث عن الخلاص،وصلت لقلب الوادي،فإذا بي أرى شقراء تسبح في بياض،جالسة عند الشجرة حيث اعتادت أن تعزف لي مقطوعاتي المفضلة،اقتربت منها في صمت،كانت غارقة في بحر من الدموع الثمينة،التي أهدرتها أنا ظلما وطغيانا،لم تنتبه لي،أو ربما انتبهت لكنها لم تبالي،جلست بجانبها،وأخرجت الكمان،وعزفت لها مقطوعتها المفضلة لتايلور دايفس الطويلة والراائعة، ثم امسكت يديها،وساعدتها على الوقوف،رفضت،لكني لم أيأس اعدت المحاولة،لبت طلبي دون أن أتفوه بكلمة،فجلدها أحس بالعشق يجري في عروقي،سرنا وصوت الصمت الطبيعي يعزف سنفونيته المعهودة،والظلام يدثرنا بعتمته،حتى وصلنا لسور صخري طبيعي يطل على نهر الحياة،فسألتها:
أتدرين ما أنا؟
قالت ودون تردد ولا تفكير وكأنها كانت تعلم سؤالي: نعم،أنت هو ملك قلبي والروح التي تشحنه وتحفزه ليضخ الحياة بلا ملل ولا كلل،أنت روحي،بدونها أنا جثة بلا حياة،قطعة لحم ذابلة متلاشية،،،
كلمات جعلتني أرتعد ندما،وحرجا،وخجلا،فكيف لي أن أجلد هذه الإنسانة التي فاقت العدل عدلا؟
فبدل أن تعذبني وتخنقني حتى الموت عقابا لي على بشاعة فعلي وجرم افعالي،عفت عني وضمتني بكلماتها العاشقة الصادقة،،
رجلاي لم تعد تحملاني،والكلمات تشتت حروفها وتفرقت،كنت أتكلم واتحدث بلغة لا أفهمها،وهل هي لغة أصلا؟! لا أدري، هل تكلمت أم هي اوهام فقط؟كانت كلماتها إكسير حياة يصنعه قلبها،كانت خميائية بفطرتها،غسلت قلبي وطهرته،صرت إنسانا أخيرا،سأحيا الآن من أجلها،عازفا،رساما،شاعرا،أخط حروف العشق،وأرسمها بألوان الطيف،ثم أعزفها وأغنيها،سأحيا لأرسم الإبتسامة على خديها صباحا ومساء،سأحيا كإنسان أخيرا،،،
استيقظت صباحا فوجدت نفسي على فراشي،التفت يمينا فلم أرها،قمت من فراشي بسرعة،نزلت الدرج في عجلة،تعثرت في آخر درجة فوقعت،لكن هناك شيء غير مفهوم،لم يرتطم رأسي على الأرض،كان شيئا لطيفا،رفعت رأسي،فإذا بي أرى ملاكي في صورته المعهودة،فوعيت ما حدث،إني لم أتعثر في درج،لأني لم أقم من فراشي بعد،لازلت ممددا،أعيش حلم يقظة،إنه ذلك الإحساس الذي يراودنا عندما يكون فكرنا مشوشا،يشغله شيء في الواقع الوهمي،نظرت إليها وقلت:مالي أراك عبوسا،هل أنت من حملني للفراش؟كانت ليلة جميلة،عدنا فيها للحياة وسافرنا عبر الزمن،بالضبط عند اللحظة التي رأيتك فيها أول مرة،فعشقت عينيك العسليتين،وظلت اتغزل بهما شهرا،أتتذكرين؟!
قالت: نعم، أتذكر ويا ليت الأيام تعود حقا،!
فتعجبت من كلماتها،أعدت السؤال من حملني للفراش،قالت دخلته بنفسك كعادتك بعد العشاء،فقد شربت حتى ثملت،ثم صعدت الدرج وأنت تقول،سأنام إياك أن تزعجيني!!
نظرت إلى عينيها،وفهمت أن كل ما حدث كان حلما،لا بل كان ضميري الإنساني،وقلبي الذي يعشق هذه الشقراء لكنه يسيء إليها ويجلدها ظلما وتكبرا وطغيانا،رفعت يدي ومسحت على رأسها،وهي متعجبة! ثم قلت: أتدري ما أنا؟
قبل ان تتحدث وتجيبني قلت: أنا هو ملك قلبك والروح التي تشحنه وتحفزه ليضخ الحياة بلا ملل ولا كلل،أنا روحك،بدونها أنت جثة بلا حياة،قطعة لحم ذابلة متلاشية،أنا ابتسامتك وسعادتك،وخلودك ونعيمك،اغفري لي فأنت انسانة ناذرة متمردة عاقلة،اعدل من العدل،وأرحم من الرحمة،قوتك طيبتك وصبرك،وعظمتك صدقك وعفوك،، نظرت إلي والدموع في عينيها ضمتني إلى صدرها وقالت: أحبك!!!
ثم بدأت تتلاشى الصور فجأة لأجد نفسي على فراشي في منزل والدتي،وأنا شاب عازب،حملت هاتفي فوجدت رسالة من الشقراء تقول فيها،أحبك!! 
لم اعد أفهم شيء،صرت تائها بين الأزمنة،والأحداث،فلا أدري أأنا في حلم؟! أم واقع؟!
مهما كان، سأزرع الأرض نرجسا ويسمينا،وأدعوا القلوب للسلام،فهناك ما هو اقوى من العدل والرحمة...
إنه الحب،والصدق،،فعالمنا يحتاج للحب ليحيا..

إرسال تعليق

 
Top