0
المايا يحكمون العالم - هشام دراز


يسرني بعد أن عشت رواية " المايا يحكمون العالم" أو كما تسمى ايضا "كويتز الكواتل" أن ادلي بدلوي برأيي المتواضع، و قرائتي الخاصة  لرواية الكاتب والصديق هشام الدراز. قلت أنني عشت الرواية ببساطة لأنني قراتها في ظرف شهر، فكنت أتوقف عن القراءة من حين لآخر لأتشرب المعاني و أعيش الأحداث في خيالي، هذا وقد استمتعت برحلة المحيط التي داعبت ذاكرتي القرائية ولامست كل الأعمال العظيمة التي وقت أحداثها في المحيط كالعجوز والبحر وموبي ديك لهيرمان ميلفيل، وأدغال إفريقيا ذكرتني بالأدب الإفريقي ورائعة آبار باندي وارا، وزرت مراكش مرة ثانية بخيالي كأنني دخلت آلة زمن أعادتني إلى ماض غير قريب، بعد زيارتي الواقعية للمدينة نفسها مارس الماضي. ثم وبخيال خصب من الكاتب يحملنا إلى الأندلس مرورا عبر طنجة جسر أدب الرحلة بامتياز ليلمس القارئ تناصا بين رواية كويتزالكواتل والخيميائي لباولو كويلو ورحلة راعي طريفة التي كانت عكس رحلة كويتزال لكن مرورا بنفس المحطات وكأن نضج اي 
شخصية في رواية من أدب الرحلة رهين بمعانقة سماء طنجة  ووصولا إلى الأندلس.



كل محطة كانت فيها ذاكرة كونية مخزونة وكشفت من جديد بذكاء الكاتب، فما قرأناه في التاريخ عن كولومبوس ورحلة الأوروبيين نحو العالم الجديد المفعم بالأمل أولا، الحرية ثانيا، والثروة ثالثا، ينقلب لنراه بعين من عيون سكان العالم الجديد ورحلة عكسية نحو العالم القديم، لكن إلى إفريقيا وبدون أساطيل ولا عتاد ولا رغبة في الاستكشاف. رحلة كويتزال قلبت موازي التاريخ فأصبح العالم الجديد في عيون الأوروبي هو القديم والعالم الجديد للمايا هو إفريقيا وأوروبا، بيد أن هناك قواسم مشتركة أن أولى لبنات التصادم الحضاري تكون حروبا، ثم ذكاءا ومن بعد تأليف الكذبة تل والكذبة إلى ان تصبح حقيقة كما فعل كويتزال فكان كلما احتك بحضارة مختلفة غير تاريخه وهويته فقط ليظفر بتحقيق "مشروعه" كما ذكر ذلك الكاتب في الصفحة 134 "كان ثريا، لكن مشروعه كان كبيرا" وقد يكون المشروع هو الحكم، حكم العالم.



رواية " المايا يحكمون العالم" عبارة عن رواية تنسف أساسات فلسفة ليبنيتز التي تنص على أن" هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة" تماما كما نسف نفس المبدأ الكاتب الفرنسي فولتير بكتابته لكونديد، كيف ذلك؟ ببساطة عندما نتتبع بعض المواقف البشعة من حرب الأندلس و التي سماها الكاتب ب"معركة عقاب"، فنتساءل هل يعقل أن أفضل العوالم الممكنة فيه قتل وتشريد وقطع أيدي من أجل بعض الخواتيم الذهبية، وصراع من أجل الثروة بمنطلق ديني؟ هنا تكمن الصفعة الأدبية والفلسفية لليبنيتز في تناص عابر للأزمان ، تناص في نقد فلسفة الشيوعية البدائية إن صح التعبير.
نقطة مهمة قبل أن اختم مقالي الأول في قراءتي للمؤلف، أن البطل في الرواية كما في الحياة قد يخطأ ويخطأ ويخطا وهذا لا يعني أنه شرخ في شخصيته بقدر ماهو استخراج أفضل ما فيه. استخراج الإنسان من البطل، استخراج الناقص من الكامل افتراضا. البطل في الحياة إنسان بكل نواقصه وزلاته، ولا تسقط بطولة أحدنا كإنسان بزلة واحدة عابرة. إذ أن العبرة في التعلم. كويتزال إذن هو نموذج البطل بكل تجلياته، بدهائه و أخطائه، بحيلته و غبائه، بحنكته في الحرب وبشاعته. كويتزال البطل واقعي مع ما يعج داخله من أحلام ومن مشاريع. كويتزال جمع بين الوحشية والحضارة، كويتزال ببساطة تاريخ الإنسان البطل الذي لازال يقفز بين ضفتي البدائية والتحضر.



في واقع الأمر لم أدلي بدلوي كاملا، فكلما أقف عند فكرة أجدني أريد أن أستزيد وأكتب، وأعدكم في القريب أن  أكتب عن هذه الرواية التحفة،على أمل أن أكتب كتابا نقديا حولها بعد قراءة المؤلف 
كاملا. 

إرسال تعليق

 
Top