مقابلة مع مواطنة عادية جدا
أتذكر قبل سنة من
الآن، و أنا أشارك في الإحصاء العام للسكان و السكنى بالمملكة المغربية، و بحكم
عملي كباحث مكلف بزيارة منازل المواطنين و طرح الأسئلة و جمع المعلومات و ملأ الإستمارات
التي تعطي فكرة ما عن ظروف معيشة السكان و تعليمهم و عملهم.
كان الموقع الذي تم تكليفي
بإحصائه غريبا بعض الشيء، فهو يضم خليطا من المنازل التي يمكن اعتبار قاطنيها من أبناء
الطبقة المتوسطة، و منطقة كبيرة تتمركز بها دور صفيح أو ما يعرف بالعشوائيات.
رغم طبيعة هذا العمل المتعبة،
إلا أن المواقف و المناظر التي عايشتها طيلة هذه الأيام عديدة و متنوعة و مليئة بالمعاني.
بدأت زيارة منطقة العشوائيات،
و حتى لا أطيل عليكم، سأنقل لكم أطوار مقابلتي مع مواطنة عادية تدعى "الضاوية"،
كشف الحوار معها الكثير عن واقع الأمية و البطالة في بلدنا العزيز :
- السلام عليكم...
- و عليكم السلام، ياك نتا ديال الإحصاء، دخل آ وليدي دخل مرحبا بيك.
(و عليكم السلام، أنت المكلف بعملية الإحصاء، تفضل يا ولدي، مرحبا بك)
- سمحي لينا آ الحاجة، ماغاديش ندي من وقتك بزاف...
(أعتذر يا حاجة على الإزعاج، لن أضيع من وقتك الكثير)
- الدنيا هانية آ وليدي، غير دير خدمتك الله يعاونك.
(لا مشكلة يا ولدي، أعانك الله في عملك)
- شحال فعمرك آ الحاجة ؟
(كم سنك يا حاجة ؟)
- الله أعلم، ما عارفاش آ وليدي، عايشين و صافي، و لكن هاك الكارني
شوف فيه و قيد دكشي.
(الله أعلم، لا أدري يا ولدي، نحن نعيش فحسب، تفضل هذا دفتر الحالة
المدنية، طالعه و اكتب ما تريد)
- قارية آ الحاجة ؟
(هل تعرفين القراءة و الكتابة ؟)
- آ شمن قراية آ وليدي، حنا ملي كنا فالعروبية صغار، ماكانتش عندنا
المدرسة، و حتى إذا كانت مبنية، ماغاديش يخليونا واليدينا نمشيو حيت عيب البنت تخرج
من الدار.
(عن أي تعلم تتحدث، عندما كنا صغارا في البادية لم تكن المدرسة قد بنيت
بعد، و حتى لو تم بناؤها في ذلك الوقت، لم يكن ليسمح لنا نحن الفتيات بالذهاب إليها،
من العيب حينها خروج الفتاة من البيت)
- و الدراري قاريين ؟ خدامين ؟
(و الأبناء ؟ هل هم متعلمون ؟ هل يزاولون عملا ما ؟)
- إيه يا وليدي، ندمنا أنا و باهم اللي ماقريناهومش، تاواحد ما قرا،
الخدمة ماخدامينش، مرة مرة فالموقف ولا يديرو كروصة يبيعو فيها الديسير، هاد البنيتة
الصغيرة هي اللي قريناها راها طالعة للبيت الثاني.
(آه يا ولدي، لقد ندمت أنا و والدهم أشد الندم، لم يتعلم منهم أحد،
عاطلون عن العمل، بعض الأحيان يبحثون عن عمل في موقف السيارات، أو يتدبرون أنفسهم ببيع
الفواكه في السوق، هذه الفتاة الصغيرة التي أمامك هي الوحيدة التي أدخلناها المدرسة
و هي في القسم الثاني الإبتدائي الآن).
بعد أخذ المعلومات المتبقية،
تبادلنا الأدوار، و أصبحت "الضاوية" هي من تطرح الأسئلة و أنا أجيب.
- دابا نتا خدام معهم آ وليدي ؟
(هل تشغل حاليا منصبا حكوميا ؟)
- أنا خدام معهم غير هاد الشهر و صافي.
(لا، هذه مهمة مدتها شهر واحد فقط)
- أواه، نتا قاري و ماخدامش !
(يا إلهي، أنت متعلم و عاطل !)
- هدشي اللي عطا الله...
(هذه مشيئة الله)
- يااااه، دابا نتا وصلتي لداك اللي سميتو الباك و ماخدامش ؟
(ياه، وصلت للباكالوريا –الثانوية العامة- و مع ذلك لم تشتغل بعد ؟)
- الماستر آ الحاجة...
(الماجستير يا حاجة...)
- هاد الماستر قبل الباك ولا من بعدو ؟
(هذا الماجستير يدرس قبل الثانوية العامة أو بعدها ؟)
- 5 سنوات بعد الباك...
- آ وييييييييلي، و مالهم ماخدموكش ؟
(يا ويلتاه، و لماذا لم يقوموا بتوظيفك ؟)
أجبتها بسخرية مريرة :
- سوليهم هوما آ الحاجة...
(إسأليهم هم يا حاجة...)
صحيح أنني قابلت عددا آخر
كبيرا من المواطنين، لكل واحد منهم معاناته و مشاكله، لكنني لن أنسى أبدا هذا الحوار،
فهو يعطي لمحة عن واقع الأمية المتفشية بشكل كبير في أوساط بعض المغاربة، و أيضا البطالة
التي ضربت حملة الشواهد العليا في مقتل، رغم الحديث المتكرر عن خلق مناصب الشغل و ما
إلى ذلك من كلام فارغ.

إرسال تعليق