اللامنتمي
رفيقي في السكن من أغرب ما يكون،كلما لمحني هرول إلى ركن قصي ، يختبئ هناك و
يُراقب حتى إذا غادرت المكان خرج بكل ثقة كجندي المارينز ، يمشي متبخترا نافخا
صدره ، أمس ضبطته ينبش بكلتا يديه في قمامة الأزبال الخاصة بالمطبخ، لمحني بطرف
عينه و أخد يدس تلك الأزبال التي أخرجها كأنه يعيد ترتيبها،ابتعد و طرف عينه مازال
يترصدني، حتى أني سمعته يتمتم بعبارات لم أستبينها، خَمنت أنه غاضب لأني أفسدت
عليه ما كان يفعله، رفيقي هذا فعلا غريب جدا ومع ذلك لا يزعجني ، مادام يحتفظ بتلك
المسافة بيننا،هو لا يقترب من أشيائي الخاصة و أنا لا اقترب من أشيائه و لا نتحدث
حتى، كلما رآني هز رأسه و كلما رأيته يطلق رجليه للريح ، لا أدري كيف قررنا أن
نشترك في السكن، لا أذكر حتى متى وقع هذا،المهم أني أتفهم حالته جيدا و لم أعلق
عليه يوما بضرورة زيارة طبيب نفسي،هذا ما جعله يستمر كرفيق لي في السكن،في السابق
كان لا يتمم أكثر من شهر مع أحدهم من فرط الهمسات التي كان يشعر بها تدور حول
تصرفاته الغريبة،هذه الليلة سمعته يغني بلسان ثقيل مخمور،أغلقت الأضواء اقتربت و
أنا أتمشى على أصابع قدماي حتى لا أصدر أي صوت،اقتربت أتحسس مصدر هذا الغناء
المخمور،بدأت بالمطبخ مكانه المعتاد في هذا الوقت من الليل ،لكن لم أجده هناك، اتجهت نحو بيت الراحة و
سمعت الصوت أكثر حدة ، المخبول كان يغني أغنية البنك فلوويد wish you were here وكان كلما وصل إلى ذلك المقطع We're just two lost
souls،
Swimming in a fish bowl,
ضغط على الحروف كأنها تخرج من جوف جوفه، وكان في كل مرة يُدخل رأسه في تلك البئر
الصغيرة في الحمام .
صُدمت، لقد رأيت في حياتي العجب العجاب لكن لم أرى يوما صرصورا عاشقا؟احترما
لكبريائه، تراجعت في هدوء، كأني لم أرى ولم أسمع .في الصباح وجدته ممدداً بجسده، في زاوية
الصالون.
منذ تلك الليلة ، لم يعد يرتاد المنزل إلا قليلاً، أجده في الصباح الباكر
مرميا في نفس الزاوية،موجهاً بطنه نحو السماء،وفي الليل يختفي ،قلما وجدته في تلك الأمكنة
التي تعود التواجد فيها داخل المنزل ،كان الوضع مريبًا ،فهو لم يتعود السهر خارج
البيت إلى وقت متأخر،كانت عادته أن يسبقني دائماً.في إحدى الليالي أصبت بحالة أرق
لم استطيع معها النوم،جلست في البالكون،تجاوز الوقت الثانية بعد منتصف الليل،
عندما ظهر السيد الصرصور العاشق رفقة ثلاثة آخرين،يترنحون سويا عبر الزقاق المؤدي
إلى المنزل،كان في يد كل واحد منهم قنينة صغيرة،يتحدث ثم يتذوق منها ،ملأوا الدنيا صياحاً ورقصا ،لم ألتقط حديثهم إلا عندما كانوا على مقربة من المنزل.
صاح أحدهم بصوت ممزوج ببكاء مخمور، لماذا الحياة معقدة إلى هذه الدرجة يا صاح،
لماذا؟ ولماذا علينا نحن الصراصير أن نستمر في العيش في خوف دائم هكذا، يتربص بنا
الموت من كل جانب ؟ عندما أنام في كل ليلة، أخشى ألا استيقظ،لما أنا هنا؟لم أختر
أن أولد في ثقبة الحمام،وربما لن أختار الحذاء الذي سيعفسني.
أجاب أحدهم :الأسوأ من ذلك أن هولاء البشر أنشئوا معامل لصناعة تلك الأبخرة التي ترعبنا،وتقضي
علينا.هؤلاء البشر ليس سوا أولاد الرخيصة ،مازلت ألمح في كل مرة أشم فيها تلك الأبخرة
جسد أختي ليزا يهوى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة أمامي،في بيت تلك
العجوز الشمطاء بعد أن ملئت المكان كله بذلك المبيد،لقد دمروا كل شيء ببخة.
أو ربما بضربة شبشب طائشة،صاح شريكي في السكن ،ألهذه الدرجة؟بهذه السهولة قد
نختفي؟لقد رحلت عشيقتي بضربة شبشب و انتهى كل شيء ، يا للعار ،تحرك بغضب حانق،
أنزل سرواله ،أقسم أني سأتبول على هذه الحياة الآن ،إنها لا تستحق كل هذا العناء
يا رفاق ،إنها قحبة نتنة، يمد جناحيه ويروي الأرض.
يرقصون سويا رافعين القنينات الصغيرة،
متحلقين في دائرة ،يرقصون ويتغنون بالحياة التي تستحق كل شيء ولا تستحق أي شيء.
بعد أن
أنهكهم الرقص ، تفرقوا وصعد رفيقي عبر
عمود الإنارة الذي كان لاصقا بالبالكون لمح وجودي هناك، رفع إحدى أرجله محتفظا
بوجهه في اتجاه مستقيم دون أن ينظر إلي متمتماً بكلمات مصحوبة.
بغمغمة: سلاماً أيها الوحيد، و
استمر نحو مكانه المعروف وسقط هناك.
من يومها ومن كل ما سمعته، صرت أحترم الصراصير وصديقي
بالذات،بل صرت أحترمه و اقدره أكثر من بعض البشر الذين عرفتهم.
قال الكثير مما رغبت دوماً في قوله بصوت عالي إلا أني لم أجد رفاقا كما فعل، فظل الأمر محبوساً في الداخل، كالسرطان
تماماً.
إرسال تعليق