الأديب ،في
عصرنا، ليس ذلك الكاتب الكلاسيكي الذي نتخيله دائما بلحية طويلة، ممسكا غليونه وهو
بصدد تأليف كتاب ما. ولاحتى ذلك الأديب الذي يقبع بالساعات، في غرفته المظلمة،
منيرا مكتبه بشمعة تكاد تضيء، مستغرقا في الكتابة في طقس روحي، ماطر. يمكن
أن يكون الأديب ،الآن، أي شخص ذو حب للقراءة ،وهوس بالقلم. لا يهم الأمر إن كان
يكتب بخط يده أم يستعمل حاسوبه، فذلك يرجع لمتعته الخاصة، أعرف أدباءا يعشقون
الكتابة بالقلم رغم مان نعيشه من ثورة رقمية، والعكس بالعكس صحيح. كوب قهوته أنيسه
وونيسه.
يخلق أديبنا شخصيات قصصه، ورواياته وكأنه يشكل أسرة توازي أسرته في الواقع،
ويشحنها بأفكاره، قناعاته، وأحيانا بمشاعره، فيلقي بها في عالم، ليمتحن قوتهم،
بوضعهم في سياقات لم يجربها هو نفسه. يرمي بهذه الشخصيات ليتركها تتفاعل مع شخصيات
أخرى من إبداعه. هذا لا يعني بالضرورة أن كل شيء يكتبه الأديب قد جربه بالفعل، أو
أنه يشبه الشخصيات التي يخلقها، الكتابة الأدبية مزيج من هذا وذاك، خليط يمتزج فيه
الحقيقي بالخيالي. دور القارئ ليس الحكم على الأديب بل الحكم على قيمة المكتوب.تتفاعل الشخصيات التي يخلقه الأديب، تارة مع بعضها البعض، وتارة أخرى تتفاعل وشخصيات القراء، تاركة وراءها سجالا عميقا في عقول القراء، وإحساسا عظيما لدى الأديب بالإنجاز.
فكر الأديب منمق بجمالية أحاسيسه المرهفة من جهة، و بكلماته المختارة بعناية تامة من جهة أخرى. يترنح بين الشعر والنثر ناقلا أفكاره،قناعاته ومشاعره بدهاء في قوالب لغوية تفيض إبداعا.شغفه بالكلمة وسحرها جعل منه أديبا، والناس من حوله قراءا.
خالط الأديب الكتب أكثر مما خالط الناس، وعاشر الكلمات أكثر مما عاشر النساء. فالقلم صديق الأديب الأول، كما أن صديقه الثاني كوب قهوته. فالأول ملهمه، والثاني مؤنسه. بهما معا يخط قصصا لترى النور أول مرة بعد أن كانت خيالات سجينة في برجه العاجي.
الأديب،في عصرنا، ببساطة عملة نادرة، قل أن تجد مثله، فالعصر الرقمي جعل الكل كاتبا، لكن الأديب وحده هو الذي لا يكتب بل يبدع.
إرسال تعليق