ﻻﺯﻟﺖ
ﺷﺎﺑﺎ، ﻟﻜﻦ ﺗﺆﺭﻗﻨﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺳﺎﻋﺔ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺁﺧﺮ
ﻣﺮﺓ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺃﻧﺎ ﺷﺨﺺ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻬﺘم ﻟﺰﻣﻦ ولا ﻟﻨﺴﺒﻴﺘﻪ. ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻭﺇﻥ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ
ﺇﻧﺘﻬﻴﺖ، ﺳﺘﺴﺘﻤﺮ ﻋﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ، ﺳﺄﻧﺴﻰ ﻟﻜﻦ ﻫﻲ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻣﻌﻲ ﺍﻭ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻱ. ﺇﺫا
ﺭﺣﻠﺖ، ﺳﻴﺤﺘﻞ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ، ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮﺍ ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺆﺭﻗﻨﻲ ﺣﺮﻛﺔ
ﻋﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ 'ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺣﺪﻳﺜﺎ' ﻧﻐﻤﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺎ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺻﻮﺕ
ﺍﻟﺮﺍﺩﻳﻮ؟ ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻗﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺎﺭﻳﻦ ﺃﺳﻔﻞ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ، ﻓﻲ
ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ.. ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﻣﺴﺘﻤﺮﺍ لما أحببت سماع ضحيجهم، ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻦ ﻫﻮﺍﺓ ﺍﻟﺼﻤﺖ .. ﻟﻜﻦ
ﻣﺎﺫﺍ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ "ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ"؟ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ، ﻓﺤﺘﻰ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻧﺎ ﻻﺃﺯﺍﻝ ﻣﺴﺘﻤﺮﺍ
ﻭﻼﺯﺍﻟﺖ ﻋﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﺰﻋﺠﻨﻲ .
في
الحقيقة كل ما يتعلق بالساعة يزعجني، الوقت سجن أعتقلنا داخله ، هو سجان عابث
بحريتنا وأنا أمقته، وذلك منذ حلم غريب لي. بمخلوق في شكل إنسان شاب هرم، يتكئ على
عكاز من جهة، وتتحرك رجله الأخرى في حيوية ونشاط، عنفوان الشباب يقطر من عينيه،
وزغب المشيب تشعب في لحيته وحاجبيه، وجهه شاحب والإبتسامة تفرعت شفتيه.. ناديته
ولما إلتفت إلي سألته، من تكون أيها الغريب؟ .. أجاب وصوته صوت إمرأة عسلي يقطر
بؤسا وشؤما، وملامحه تتقلب، الزغب الأبيض يصبح أسودا والإبتسامة تنقلب شهيقا،
والعينين تعرقان في الدمع، الوجه ينبع منه بياض ساطع .. كذبت عيناي ما رأت ..
وأخذت رعشة تتسلل إلى قدمي ثم إنتشرت في كامل جسدي -ولولا أنه كان مجرد حلم ما
أدري ماكان سيحصل معي- قطع بصرخة منه هذا الصمت المقيت الذي يزيد من توتري وقال :
ألم تعرفني أنا الزمان .. أنا الثابت المتغير .. أنا القدر والمقدر .
إندفعت
مني كلمات لم أدري مصدرا لها، ولا لا مصدر الشجاعة التي دفعتني للنطق بها.. أيها
اللعوب المحترف! علمتنا الكثير، وسلبتنا وطالبتنا بنسيان الكثير. لكن ذاكرتنا التي
سيرتها كتبا تاريخية لك، لا تذر شيئا نحاول نسيانه إلا دونته في أرشيفها ليستيقظ
مليئا القوة فيما بعد كوحش مارد كان نائما وأيقظه جوع ساحق .
لم أسكنتنا حدائق السعير
أشواطا طويلة، وتسحبنا في إستراحات خفيفة إلى الجنان. سقوتنا على مر ليال طويلة من
القطران، وجدت علينا بقطرات من العسل تذوبتتلاشى من مجرد إختلاطها بالريق.. لم
تأخذ عن الناس عزهم، وترميهم إلى صهاريج الذل؟ ولم لا تفعل بالمثل وتأخذ المذلول
من هندامه الرديئ وتلبسه الحرير، وتسكنه القصور وتمنحه تاج الأمراء وتمنح المذلولة
صولجان الأميرات؟ لم لا تذر السعيد سعيدا والحزين الذي ألف قلبه الحزن على حاله.
لم تطديقهم نوعين من الحياة؟ لم نوعين من العذاب ؟
أحسست
أني أنتقم، ولو في مجرد حلم ورغم علمي بأن صراخي هذا شيئ من عبثه بي. ساءلته وصرخت
في وجهه وسببته وإستيقظت! .. وفي الصباح أخبرت والدتي بما حصل فغضبت غضبا شديدا
وقالت لي لا تسب الدهر فإنه هو الرب .. فاستغفرت وأنا أعلم أن الزمان لا يواخذنا
على أحلامنا...
إرسال تعليق