1
# موسم الهجرة الى الشمال : الطيب صالح
لا أعرف تماما ما الذي منعني من قراءة موسم الهجرة إلى الشمال، رغم أنني سمعت توجيهات بقراءتها طوال ما يقارب السنتين، من أعضاء نادي القراءة وكذا اساتذتي المطلعين. لكنني عندما قرأتها، أيقنت أنني ربما تأخرت فعلا في الغوص في عالم الطيب صالح المشبع بالتشبيهات و الرموز.
يقال أن الطريقة الوحيدة للتخلص من عبء كتاب ما، هي الكتابة عنه. وتأخري عن كتابة هذه المراجعة ليس سوى محاولة مني لإرجاء لحظة الانفصال بيني وبينه.  فطوال الأسابيع التي لحقت قراءتي، كنت أعود إلى بعض الاقتباسات و اتعمق فيها. خصوصا وأنني، كمعظم سكان هذا الجزء من القارة أمنّي نفسي بهجرة ذات اتجاه واحد نحو الشمال.
تدور أحداث الرواية في الفترة الزمنية ما بين العشرينات و الخمسينات من القرن الماضي، بين السودان و لندن مرورا بالقاهرة. وتحكي قصة سوداني ذكيّ ،لامع و محتلف، " لست كبقية الأطفال في سني، لا أتأثر بشييء، لا أبكي إذا ضربت، لا أفرح إذا أثنى علي المدرس في الفصل، لا أتألم لما يتألم له الباقون. كنت مثل شيء مكور من المطاط، تلقيه في الماء فلا يبتل ترميه على الأرض فيقفز." أتقن الانجليزية ليجد نفسه مدفوعا نحو تحصيل العلم خارج بلده. ثم يعود بعد سنوات طويلة إلى نقطة البداية بعد ان تنكّر لكل ما رآه و سمعه و عاشه في أوروبا. يعود ليعيش حياة فلاح بدويّ عاديّ ويموت ميتة غامضة غرقا في النيل.
إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال رواية فذة، لا عجب انها اعتبرت واحدة من افضل 100 رواية في القرن العشرين في الوطن العربي. فهي تتناول لقاء الثقافات وتضادها وتشابهها. تصور نظرة الاجنبي للشرقي و نظرة هذا الأخير لذاك الأجنبي. وتشهد الاختلافات الشاسعة في العادات و التقاليد بين البلد الأصلي السودان الذي كان يعيش تحت وطأة الاحتلال من كل جانب و يعاني من الاستغلال و التهميش، ولندن قمّة ما وصلت إليه الحضارة و التطور و الرقي الفني و الأدبي.
و أنا أقرأها، وجدت نفسي في بعض المواضع أشعر وكأنني أقرأ تعريبا لرواية الغريب لألبير كامو -أقول في بعض المواضع فقط- كالوصف الدقيق للحرارة في الفصل السابع. وصف يكاد يكون حقيقيا حتى انه يجعل القارئ يسرع للبحث عن شربة ماء. الشبه كذلك كبير جدا، بين مورسولو و مصطفى سعيد حينما تحدث الأخير عن خبر وفاة أمه وكيف وقع عليه الأمر. لم يتأثر ولم يشعر بشيء.  "ولكنني تذكرت بوضوح أنني لم أشعر بأي حزن، كأن الأمر لا يعنيني في كثير ولا قليل"
الوصف الدقيق نفسه موجود في آخر فصل من الكتاب حيث تألق الطيب صالح في تصوير مشهد السباحة في نهر النيل، ثم الغرق المحتم و مقاومة الراوي لشعور جاذبية القعر : "لا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها معنى، إذا كنت لا استطيع أن اغفر فسأحاول أن انسى. سأحيا بالقوة و المكر. وحركت قدمي و ذراعي بصعوبة وعنف حتى صارت قامتي كلها فوق الماء وبكل ما بقيت لي من طاقة صرخت وكأنني ممثل هزلي يصيح في مسرح النجدة. النجدة.
يُعاب على الرواية بعض مشاهدها الجنسية التي جعلتها تُمنع في بعض الدول العربية لكنني أرى أن الكاتب لم يأت على ذكرها إلا لمغزى من وراء ذلك، فهي لم تحشر حشرا إطلاقا. في النهاية، الأدب لا يستقي جماله إلا من حريته المطلقة وتقنينه من طرف المحافظين سيفقده أبّهته وتأثيره. ولو أن رقابة ما فرضت على الطيب صالح لما كان لينتج لنا عملا بهذا الجمال و يجعله يجد لنفسه مكانا وثيرا على لائحة كتبي المفضلة.

إرسال تعليق

  1. استمتعت بقراءة انطباعك عن الرواية عزيزتي سلمى على الأخص لأني كذلك لم أقرأ للطيب صالح رغم ما سمعته عن الرواية . لكن بعد قراءتي لمدونتك تحمست لأن هذا العام أنوي التوسع في جغرافية القراءة فسأختار هذه الرواية للطيب صالح عن فئة الأدب السوداني وأود منك أن تنصحينني بروايات من الأدب المغربي لأني متشوقة جداً للتعرف عليه.
    إيمان أسعد

    ردحذف

 
Top