تقييم روايات قائمة البوكر القصيرة 2015 : طابق 99 :
رواية "طابق
99" للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة
للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لسنة 2015، و هي تنتمي إلى أدب الحروب الذي
أفضله، و تناقش أزمة الهوية في بلاد المهجر و مشاكل ثقل الماضي، و كنت قد عايشت هذا
الموضوع سابقا بعد قراءتي لرواية "شيكاجو" للكاتب المصري علاء الأسواني،
لكن "طابق 99" مختلفة تماما، فهي تحكي عن قصة حب معقدة جرت أطوارها في نيويورك
سنة 2000، بين شاب فلسطيني مسلم يدعى مجد، و حسناء لبنانية مسيحية اسمها هيلدا، ينتمي
كلاهما إلى جيل ما بعد الحرب، مجد الذي نجا بأعجوبة من مجزرة صبرا و شاتيلا سنة
1982، لكنها كلفته فقدان والدته و عقدة نفسية سببتها ندبة غائرة في وجهه و عرج في ساقه،
و المفارقة أن حبيبته التي تعرف عليها هناك في الولايات المتحدة الأمريكية مسيحية من
عائلة منتمية إلى حزب الكتائب المسيحي اللبناني، و المسؤول المباشر عن المجزرة، ليبدأ
الغوص في معالم العلاقة بين فلسطينيي المخيمات و مسيحيي لبنان، أو لازمة "المسيحيون
الذين تعاونوا مع الإسرائيليين و ذبحونا...الفلسطينيون الذي رموا بلاويهم علينا و جاؤوا
لاحتلال أرضنا"...
بعد علاقة استمرت لسنتين،
تقرر هيلدا التي احترفت الرقص و تصميم الأزياء، العودة إلى لبنان، للبحث عن الجذور
و الإجابة عن الأسئلة الوجودية التي أثقلت كاهلها، تاركة مجد الذي لم يستطع التخلص
من ذكراها رغم مكابرته، يتطلع، من شرفة الطابق 99 للبناية التي تضم مكتبه، إلى
الأفق و المدينة البعيدة تماما عن ماضيه في لبنان و وطنه الأم فلسطين.
العجيب أنه رغم تحسن
وضعه المادي و تسلقه سلم النجاح، إلا أنه لم يجر أية عملية تجميلية لوجهه و ساقه،
كما لو كان مصرا على الإحتفاظ بماضيه، الذي لم تفلح أضواء و بهرجة نيويورك في
محوه، فيما عادت هيلدا إلى قريتها في جبل لبنان لتعلن تحديها و خروجها عن سلطة
الأب الذي حاول بسيطرته تلك تجاوز آثار صدمة إدمان ابنته الكبرى ماتيلد للمخدرات،
و ربما أيضا صدمة انحسار وهم القوة و السلطة التي تمتع بها حزب الكتائب إبان الحرب
الأهلية.
أعجبني وصف الكاتبة لأبطال
الرواية و تقلباتهم النفسية، و حملت السطور بين الحين و الآخر عبارات و معاني
فلسفية جميلة، هذا رغم أنني في الحقيقة لا أميل إلى كثرة المتاهات الفلسفية و أفضل
السرد المباشر.
الشخصيات الثانوية لابأس
بها، خصوصا صديق مجد، محسن، الذي رغم محاولته الإنسلاخ عن ماضيه العربي و تحويل
إسمه إلى مايك، إلا أنه لم يفلح في ذلك، و أصبح شخصا مشوها، ظاهره مايك و باطنه
محسن، و أيضا والد مجد، الأستاذ الذي حولته الظروف إلى مقاتل في صفوف الفصائل
الفلسطينية، و بدرجة أقل الحسناء المكسيكية إيفا، و ماتيلد شقيقة هيلدا.
ما أعجبني أكثر في هذه
الرواية هو ابتعادها عن الصورة النمطية للفلسطيني، الذي تعودنا على مشهد ارتدائه
للكوفيه و حمله البندقية، و أيضا تسليطها الضوء على الجانب الآخر من القضية،
الجانب المجهول بالنسبة لي شخصيا، و أقصد هنا المشاركة المسيحية في الحرب الأهلية
اللبنانية، و النظرة التي تصورت الفلسطيني عنصرا دخيلا أتى إلى لبنان لاحتلاله و
طرد سكانه منه، و تجلى هذا واضحا في مشهد النهاية و رد فعل عائلة هيلدا على خبر
ارتباطها ب "عدو" فلسطيني حسب رأيهم.
لم يعجبني التصوير المبالغ
فيه لبعض المشاهد الجنسية، كما لو أن هذا الأمر قد تحول إلى قاعدة مسلم بها في
معظم الأعمال الأدبية المعاصرة، كما شعرت بالملل في بعض المقاطع من الرواية، و
أشير أيضا إلى أن الكاتبة ارتكبت خطأ صغيرا، لا علاقة له بالأحداث، لكن الدقة
واجبة، أتحدث هنا عن بحث البطل في موقع ويكيبديا عن معلومات تتعلق بقريته
الفلسطينية، الموقع الإلكتروني المعروف تأسس يوم 15 يناير سنة 2001، فيما تدور أحداث
الرواية قبل انطلاقه بسنة كاملة تقريبا. (ربيع سنة 2000)
على أية حال، يبقى هذا
رأيا شخصيا، رغم بعض المؤاخذات و التحفظات، فقد أعجبتني الرواية و الموضوع الذي
عالجته، خصوصا أنها تنتمي كما قلت في السابق إلى أدب الحروب الذي أميل إليه.
الكاتب : عبد المجيد سباطة.
إرسال تعليق